لقد برزت ظاهرة العولمة خلال عقد التسعينيات من القرن الماضي بوصفها من أكثر المصطلحات تداولاً وانتشاراً في دول الغرب والشرق والجنوب، وتنوعت أساليبها ومضامينها ووسائلها، وأخذت حيزاً واسعاً في السياسة والاقتصاد والإعلام، ويتم تداولها في مجالات الحياة المختلفة. وأتضحت مظاهرها على صعيد الواقع بوجود الولايات المتحدة الأمريكية كقوة عظمي ومنفردة على هرم المنظومة الدولية، وأسهم في تدعيم ذلك عوامل عديدة يأتي في مقدمتها القوة العسكرية والهيمنة الاقتصادية والنفوذ الإعلامي الواسع والفاعل على الصعيد العالمي والتقدم التكنولوجي ولاسيما في وسائل الاتصال. وهذا ما جعلها تفرض سيطرتها على بعض بلدان العالم النامي، من خلال التوسع والهيمنة على سيادة واستقلال الدول.
وأنشغل الوطن العربي كغيره من دول العالم بإفرازاتها وتداعياتها، وبرز القلق بوضوح من مخاطرها بعد أن ساهمت قنوات البث الفضائي العالمية والعربية في تسويقها وتكريس قيمها وأهدافها، ورافق انتشارها سباق إعلامي بفعل تطور تكنولوجيا الاتصال والمعلومات على مستوى عمليات البث والتشغيل والاستقبال والإنتاج شكلاً ومضموناً، وأصبح التعامل مع تلك الوسائل على اختلافها يشكل جزءاً أساسياً في حياة الفرد اليومية. وأضحت تلك الوسائل، ضرورة من ضرورات الحياة المعاصرة لإشباع الرغبات المعرفية والترفيهية للفرد.
وتزامن انتشار البث الفضائي العربي الموسع مع بروز ظاهرة العولمة وما رافقها من تغيرات، الأمر الذي فرض أمام الإعلام العربي تحديات كبيرة في ظل عولمة الإعلام ولاسيما بعد أن توفرت الإمكانات لدى المواطن العربي في أستقبال القنوات الأجنبية الوافدة إلى الوطن العربي وهو في منزله، ومنها ما يبث برامجه باللغة العربية، وما يمكن أن تحدثه من تأثيرات سلبية بسبب تعرض المشاهد العربي إلى برامجها.
فإذا لم يجد المشاهد مادة إعلامية ثقافية إبداعية متطورة تلبي رغبته من خلال ما تقدمه الفضائيات العربية، يمكن أن تنافس برامج القنوات الأجنبية، فانه سيكون عرضة للتأثر بدرجة أكبر بالبث الأجنبي الوافد مما يؤثر على صياغة تفكيره ووجدانه ومن ثم على هويته.
في الوقت الذي يتطلب الأمر من الفضائيات العربية أن تقوم بمهمة إيصال وشرح قضايا الأمة العربية للجمهور الأجنبي لتشكيل رأي عام عالمي متعاطف ومساند للطروحات العربية، لكي يؤثر على توجهات سياسة الدول التي ينتمي إليها هذا الرأي العام باتجاه إيجابي يخدم مصالح العرب والمسلمين وقضاياهم المصيرية، في وقت يكرس فيه البث الأجنبي المعادي صورة نمطية مشوهة عن واقع الأمة العربية والإسلامية وتراثها وثقافتها وقضاياها. ومن هنا يأتي الدور المنوط بالفضائيات العربية لمخاطبة العقل الغربي بلغة يفهمها ويقتنع بها ولاسيما أن التطور التقاني جعل من السهل لأي دولة أن تخترق بإرسالها المباشر، ومضمونها الأفضل السيادة الاتصالية والإعلامية لدول العالم.