قراءة تاريخ الصحابة بين التجرؤ والتأدب

قراءة تاريخ الصحابة بين التجرؤ والتأدب

محمد إبراهيم زيدان - 01/12/2004 - [فتاوى] - عدد القراءات:«1765»

السؤال :

نعرف من كلام علمائنا أنه يجب الأدب الجم مع الصحابة ، و أنه على المرء المسلم أن يجتنب تجريهم أو يتهمهم بالخطأ، في حين نجد أن البعض يجنح إلى أن الأحداث التي وقعت للصحابة أحداث إنسانية يشوبها الصواب والخطأ ، وأنه يجب علينا أن تكون عندنا الجرأة الكافية في تحليل هذه الأحداث، وأن نظهر خطأ الصحابة ، فهم ليسوا معصومين ، ونجد البعض يصل إلى حد السب والاتهام ، فما هو المنهج الذي ترونه منصفا في الحديث عن الصحابة وأحداث تاريخهم .

المستشار : أ. محمد إبراهيم زيدان

الرد

الأخ الفاضل :

مرحبابك وأهلا ، وشكر الله لك على سؤالك الهام ، والذي أصبح من الإشكاليات المعاصرة ، والتي وقف الناس منها فريقين كما أوضحت أنت في سؤالك.

ولا شك أن الفهم هو المفتاح الأساسي - فهم التاريخ وكذا الحاضر والمستقبل - وهو مفتاح عام ينسحب على أحداث التاريخ جميعها, وهو مفتاح يستعصم به أساسا في تحليل الأحداث التاريخية الكبرى من أمثال "مرحلة الفتنة الكبرى" والتعامل مع رجالاتها "الصحابة" رضوان الله عليهم.

وقد يتحاشى علماء المسلمين ومفكروهم فتح تلك الصفحات كلية - وقد رفعوا لذلك شعارا "تلك أحداث طهر الله منها أيدينا فلنطهر منها ألسنتنا" مخافة الوقوع في أعراض الصحابة رضي الله عنهم، خاصة والأحاديث جاءت تنهى عن ذلك وتدعو إلى محبتهم وتوقيرهم وتعظيمهم، وقد يتجرؤ بعضهم ويدخل في تفاصيل العلاقات مما يؤدي للتهجم والإساءة .

فكيف لنا أن نتعامل مع هذه المرحلة الحساسة من تاريخ الأمة ؟

إن الوضوح يقتضي القول بصعوبة الأمر, فالأمر النبوي واضح بالكف "كفوا عن أصحابي" وبالاقتداء "أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم".

ولا شك أن تحليل هذه الأحداث مع لزوم الأدب للصحابة الأحباب يحتاج إلى العناية الإلهية والتأييد الرباني ليسهل، فيكون التناول نورانيا يعطي للصحابة الكرام مكانتهم وللأحداث حقها، فالجرأة والأدب مفتاح الجمع بين واجب وضرورة، بين واجب الأدب مع السادة الكرام وضرورة الوقوف عند بداية الانكسار التاريخي لفهم الأسباب وإعادة الجبر.

فلا بد من الجمع بين الأمرين لتكتمل هذه القاعدة وإلا ففي تغييب إحداهما قصور عن المنهج النبوي, ولعل الأمر قد يسهل إلى حد بعيد إذا قلنا :إن الأدب ينبغي أن يسود أساسا عند ذكر الصحابة رضوان الله عليهم والحديث عن شخصهم، في حين أن الجرأة التحليلية تستحضر عند تناول الأحداث لذكر الأسماء بمسمياتها.

وللتوضيح أكثر هذا بيان لحضور هذا الأساس في التحليل المنهجي لهذه المرحلة.

فالأدب الجم أن يتذكر المرء أن الله تعالى قد اختار الأصحاب لرسوله الكريم صلى الله عليه وسلم ليمتلأ قلبه محبة وتعظيما وتبجيلا لرجال "صدقوا ما عاهدوا الله عليه" لذلك يتربى أهل المنهاج النبوي على هذا الأدب، فالصحابة الكرام القدوة والأسوة، وجهادهم النموذج، ومحبتهم واجبة ؛ والترضي عنهم والترحم عليهم والدعاء بالمغفرة لمن سبقنا بالإيمان من صفات المؤمن الحق .

وفي التحليل التاريخي لهذه المرحلة يتضح هذا الأدب من خلال أمرين أساسين:

- الأول يرتبط باللغة : فاللغة التي تتناول بها الأسس المنهجية هذه الأحداث، يمكن القول أنها لغة أدب بامتياز، بحيث تختار بعناية كبيرة الألفاظ والتعبيرات الدقيقة والكلمات العفيفة.

- الأمر الثاني الذي يظهر التعفف وحسن الأدب هو حجم فتح تلك الصفحات: فلا ينبغي التوسع في ذلك دون ضوابط؛ فمجرد التوسع قد يكون مدخلا لتسرب معان إلى القلب نحو الصحابة الكرام خاصة للذين لا يملكون الدليل التاريخي الموثق .

أما الجرأة المطلوبة فتتجلى في الشجاعة الكافية للوقوف مثلا عند أحداث الفتنة الكبرى، لفهم الانكسار التاريخي الذي حدث بعد مقتل ثالث الخلفاء الراشدين ذي النورين عثمان بن عفان رضي الله عنه والباعث في ضرورة فهم هذه المرحلة له مسوغان أساسيان:

أولا: تأثير تداعيات الفتنة الكبرى على التاريخ اللاحق ؛ حيث بداية الانحراف المتجلية في انتقاض عروة الحكم وذهاب الشورى والعدل والإحسان بنسب متفاوتة، كلها فتن حلت بالأمة مع نهاية السنة الثلاثين، فهي هزة عنيفة مزقت كيان الأمة المعنوي فبقي المسلمون يعانون من النـزيف في الفكر والعواطف منذئذ.

ثانيا : الحاجة إلى استخلاص العبر من أجل إعادة بناء صرح الأمة من جديد، فينبغي معرفة الانحلال من أين بدأ وكيف، لنعيد الفتل في حبل هذه الأمة ونقيم ما انتقض من عرى الإسلام.

إن الذي يعاني من تضخيم التعظيم لتاريخ الأمة ويأبى إلا أن يعتبر الاستعمار بداية لانشطارنا التاريخي، لا يمكنه أن يدرك أسباب ومواطن الانحراف، وحقيقة تأثيرها على حاضر الأمة الإسلامية .

فالانكسار التاريخي حدث محوري في تاريخ الإسلام ؛ وسيبقى فهمنا لحاضر الأمة ومستقبلها مشوشا غاية التشويش إن لم ندرك أبعاد تلك الأحداث وآثارها على تاريخنا .

لذلك فالبناء المستقبلي محدد أساسي للوقوف عند هذه المرحلة ومن الضروري أن نرجع إليها، ولكن بضابط حاسم حتى لا تزيغ الأقدام، وهو تعظيم كامل للصحابة رضي الله عنهم وشجاعة تامة في تناول مرحلة الفتنة الكبرى وما تلاها من أحداث جسام، الأدب الذي لا يحجب الجرأة والجرأة التي تتحلى بالأدب فهما أمران متلازمان لا ينفكان.

واستكمالا لإجابة السؤال نرجو مطالعة هاتين الاستشارتين:

- الخلاف بين الصحابة ..منهجنا في تربية العقول.
- الصحابة وآل البيت ..لاللتقديس ..لا للتجريح.

عدد المساهمات : 442 تاريخ التسجيل : 31/08/2010

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

شكرا على ما قدمتم

ولاتنسوني بدعائكم لنا بظهر الغيب

ودمتم في خدمت الدين و الوطن

ولكم منا الف تحية وسلام

» قراءة الفكار
» تاريخ كاس العالم.
» تاريخ أجدادي {الادارسة}
» للمساعدة هنا تاريخ كل الدول
» نبذة عن تاريخ الأدارسة