سيــدي هجـــرس لكل الشرفــــاء
اهلا بكل احباب الاصالة في منتدى سيدي هجرس لكل الشرفاء
سيــدي هجـــرس لكل الشرفــــاء
اهلا بكل احباب الاصالة في منتدى سيدي هجرس لكل الشرفاء
سيــدي هجـــرس لكل الشرفــــاء
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

سيــدي هجـــرس لكل الشرفــــاء

سيــدي هجـــرس لكل الشرفــــاء
 
الرئيسيةأرقّ ما قرأتُ في الرقائق والتصوف للغزالي. I_icon_mini_portalأحدث الصورالتسجيلدخول
بحـث
 
 

نتائج البحث
 
Rechercher بحث متقدم
المواضيع الأخيرة
» افضل مواقع للتوظيف
أرقّ ما قرأتُ في الرقائق والتصوف للغزالي. Emptyالجمعة يناير 03, 2014 3:48 am من طرف admin

» الاستاذ محمد الهادي الحسني الاولى الى مكتبة بلدية سيدي هجرس
أرقّ ما قرأتُ في الرقائق والتصوف للغزالي. Emptyالجمعة يناير 03, 2014 3:37 am من طرف admin

» أيها الحسني لا تمت قبل أن تموت.
أرقّ ما قرأتُ في الرقائق والتصوف للغزالي. Emptyالجمعة يناير 03, 2014 3:32 am من طرف admin

» أصحاب الإنجازات العظيمة.
أرقّ ما قرأتُ في الرقائق والتصوف للغزالي. Emptyالأربعاء سبتمبر 18, 2013 9:40 am من طرف admin

» الجهل : وضع الأجداد العِقال للرجل فنقلته الأحفاد إلى الرأس.
أرقّ ما قرأتُ في الرقائق والتصوف للغزالي. Emptyالسبت يوليو 13, 2013 2:11 am من طرف شهاب عليم

» جلال الدين الرومى..الشاعر الصوفىّ الذى أدهش الغرب.
أرقّ ما قرأتُ في الرقائق والتصوف للغزالي. Emptyالإثنين يوليو 08, 2013 5:48 am من طرف شهاب عليم

»  الإجـازة الصيفيــة ... والانتفــاع بالوقــت.
أرقّ ما قرأتُ في الرقائق والتصوف للغزالي. Emptyالأحد يونيو 23, 2013 2:07 am من طرف شهاب عليم

» كيف السبيل إلى السلامة من الناس ؟
أرقّ ما قرأتُ في الرقائق والتصوف للغزالي. Emptyالأحد يونيو 02, 2013 2:05 pm من طرف شهاب عليم

» قصة : في بلاد الثلج.
أرقّ ما قرأتُ في الرقائق والتصوف للغزالي. Emptyالجمعة مايو 31, 2013 5:09 am من طرف شهاب عليم

» متفرقات : قصص ذكاء‏.
أرقّ ما قرأتُ في الرقائق والتصوف للغزالي. Emptyالجمعة مايو 31, 2013 2:42 am من طرف شهاب عليم

» Blague : Dernière découverte en Algérie
أرقّ ما قرأتُ في الرقائق والتصوف للغزالي. Emptyالأحد مايو 19, 2013 2:57 pm من طرف شهاب عليم

» أمـازيـغــيّـون نـحـن… ولــــكن..!
أرقّ ما قرأتُ في الرقائق والتصوف للغزالي. Emptyالخميس مايو 16, 2013 1:14 pm من طرف شهاب عليم

» كتاب : فن الخطابة.
أرقّ ما قرأتُ في الرقائق والتصوف للغزالي. Emptyالخميس مايو 16, 2013 1:03 pm من طرف شهاب عليم

» وإذا سألك عبادي عني فإني قريب.
أرقّ ما قرأتُ في الرقائق والتصوف للغزالي. Emptyالسبت أبريل 20, 2013 2:47 am من طرف شهاب عليم

» مِن نُكَتِ القرآن : وما ربك بظلام للعبيد.
أرقّ ما قرأتُ في الرقائق والتصوف للغزالي. Emptyالإثنين أبريل 15, 2013 4:31 am من طرف شهاب عليم

» البدء بإصدار بطاقة وشهادة النسب الإدريسي‏.
أرقّ ما قرأتُ في الرقائق والتصوف للغزالي. Emptyالخميس مارس 28, 2013 5:18 pm من طرف شهاب عليم

» في اليوم العربي للغة العربية: الألكسو والأحلام المؤجلة.
أرقّ ما قرأتُ في الرقائق والتصوف للغزالي. Emptyالسبت مارس 09, 2013 2:41 pm من طرف شهاب عليم

» Un Algérien raconte son aventure.
أرقّ ما قرأتُ في الرقائق والتصوف للغزالي. Emptyالخميس فبراير 28, 2013 12:45 pm من طرف شهاب عليم

» كنزة : ابنة زعيم قبيلة أوربة الأمازيغية.
أرقّ ما قرأتُ في الرقائق والتصوف للغزالي. Emptyالأربعاء فبراير 27, 2013 3:44 am من طرف شهاب عليم

» بعض قبائل الأشراف أمازيغية الأصل.
أرقّ ما قرأتُ في الرقائق والتصوف للغزالي. Emptyالأربعاء فبراير 27, 2013 3:40 am من طرف شهاب عليم

ازرار التصفُّح
 البوابة
 الفهرس
 قائمة الاعضاء
 البيانات الشخصية
 س .و .ج
 ابحـث
التبادل الاعلاني
pubarab
احصائيات
هذا المنتدى يتوفر على 906 عُضو.
آخر عُضو مُسجل هو salima فمرحباً به.

أعضاؤنا قدموا 2811 مساهمة في هذا المنتدى في 1152 موضوع
أفضل 10 أعضاء في هذا المنتدى
admin
أرقّ ما قرأتُ في الرقائق والتصوف للغزالي. I_vote_rcapأرقّ ما قرأتُ في الرقائق والتصوف للغزالي. I_voting_barأرقّ ما قرأتُ في الرقائق والتصوف للغزالي. I_vote_lcap 
شمس الاصيل
أرقّ ما قرأتُ في الرقائق والتصوف للغزالي. I_vote_rcapأرقّ ما قرأتُ في الرقائق والتصوف للغزالي. I_voting_barأرقّ ما قرأتُ في الرقائق والتصوف للغزالي. I_vote_lcap 
عليلو
أرقّ ما قرأتُ في الرقائق والتصوف للغزالي. I_vote_rcapأرقّ ما قرأتُ في الرقائق والتصوف للغزالي. I_voting_barأرقّ ما قرأتُ في الرقائق والتصوف للغزالي. I_vote_lcap 
شهاب عليم
أرقّ ما قرأتُ في الرقائق والتصوف للغزالي. I_vote_rcapأرقّ ما قرأتُ في الرقائق والتصوف للغزالي. I_voting_barأرقّ ما قرأتُ في الرقائق والتصوف للغزالي. I_vote_lcap 
عباس
أرقّ ما قرأتُ في الرقائق والتصوف للغزالي. I_vote_rcapأرقّ ما قرأتُ في الرقائق والتصوف للغزالي. I_voting_barأرقّ ما قرأتُ في الرقائق والتصوف للغزالي. I_vote_lcap 
الثائر المتواضع
أرقّ ما قرأتُ في الرقائق والتصوف للغزالي. I_vote_rcapأرقّ ما قرأتُ في الرقائق والتصوف للغزالي. I_voting_barأرقّ ما قرأتُ في الرقائق والتصوف للغزالي. I_vote_lcap 
mimi
أرقّ ما قرأتُ في الرقائق والتصوف للغزالي. I_vote_rcapأرقّ ما قرأتُ في الرقائق والتصوف للغزالي. I_voting_barأرقّ ما قرأتُ في الرقائق والتصوف للغزالي. I_vote_lcap 
مجنون بلادو
أرقّ ما قرأتُ في الرقائق والتصوف للغزالي. I_vote_rcapأرقّ ما قرأتُ في الرقائق والتصوف للغزالي. I_voting_barأرقّ ما قرأتُ في الرقائق والتصوف للغزالي. I_vote_lcap 
Hadj aissa
أرقّ ما قرأتُ في الرقائق والتصوف للغزالي. I_vote_rcapأرقّ ما قرأتُ في الرقائق والتصوف للغزالي. I_voting_barأرقّ ما قرأتُ في الرقائق والتصوف للغزالي. I_vote_lcap 
m.abdelkader
أرقّ ما قرأتُ في الرقائق والتصوف للغزالي. I_vote_rcapأرقّ ما قرأتُ في الرقائق والتصوف للغزالي. I_voting_barأرقّ ما قرأتُ في الرقائق والتصوف للغزالي. I_vote_lcap 
ازرار التصفُّح
 البوابة
 الفهرس
 قائمة الاعضاء
 البيانات الشخصية
 س .و .ج
 ابحـث

 

 أرقّ ما قرأتُ في الرقائق والتصوف للغزالي.

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
شهاب عليم

شهاب عليم


عدد المساهمات : 103
تاريخ التسجيل : 06/04/2012

أرقّ ما قرأتُ في الرقائق والتصوف للغزالي. Empty
مُساهمةموضوع: أرقّ ما قرأتُ في الرقائق والتصوف للغزالي.   أرقّ ما قرأتُ في الرقائق والتصوف للغزالي. Emptyالسبت سبتمبر 08, 2012 3:33 am


قال تعالى:
- (يومَ تأتي كلّ نفسٍ تُجادلُ عن نفسِها) النحل 111. كل نفس: كل إنسان. عن نفسها: عن ذاتها. هذا هو أصل فكرة الغزالي في كلامه عن النفس.
- (وجاءت كلّ نفسٍ معها سائقٌ وشهيدٌ. لقد كنتَ في غفلةٍ مِن هذا فكشفنا عنكَ غطاءكَ فبصركَ اليومَ حديدٌ) ق 21-22.
- وفي قراءة: (لقد كنتِ في غفلة من هذا فكشفنا عنكِ غطاءكِ فبصركِ اليومَ حديد).


يا نفسُ (1) :

يا نفسُ ما أعظمَ جهلكِ! تدّعين الحكمة والذكاء والفطنة، وأنتِ أشدّ الناس غباوةً وحمقًا! أما تعرفين ما بين يديكِ من الجنة والنار، وأنتِ صائرةٌ إلى إحداهما على القرب؟! فما لكِ تفرحين وتضحكين وتشتغلين باللهو، وأنتِ مطلوبة لهذا الخطْب الجسيم؟! وعساكِ اليومَ تُختطفين أو غدًا، فأراكِ ترين الموت بعيدًا، ويراه الله قريبًا! أما تعلمين أن كل ما هو آتٍ قريبٌ؟! وأن البعيد ما ليس بآت؟! أما تعلمين أن الموت يأتي بغتة، من غير تقديم رسول، ومن غير مواعدة ومواطأة؟! وأنه لا يأتي في شيء دون شيء، ولا في شتاء دون صيف، ولا في صيف دون شتاء، ولا في نهار دون ليل، ولا في ليل دون نهار، ولا يأتي في الصبا دون الشباب، ولا في الشباب دون الصبا، بل كل نفَسٍ من الأنفاس يمكن أن يكون فيه الموت فجأة! فإن لم يكن الموت فجأة فيكون المرض فجأة، ثم يُفضي إلى الموت؟! فما لكِ لا تستعدّين للموت، وهو أقرب إليكِ من كل قريب؟! أما تتدبّرين قوله تعالى: (اقتربَ للناسِ حسابُهم وهم في غفلةٍ مُعرضونَ. ما يأتيهم مِن ذِكْرٍ مِن ربّهم مُحدَثٍ إلا استمعوهُ وهم يلعبونَ. لاهيةً قلوبُهم) الأنبياء 1-3.

ويحكِ يا نفسُ! إن كانت جرأتكِ على معصية الله، لاعتقادكِ أن الله لا يراكِ، فما أعظمَ كفركٍ! وإن كان مع علمكِ باطلاعه عليكِ، فما أشدّ وقاحتكِ، وأقلّ حياءكِ!

يا نفسُ (2) :

ويحكِ يا نفسُ! لو واجهكِ عبدٌ من عبيدكِ، بل أخٌ من إخوانكِ، بما تكرهينه، كيف كان غضبكِ عليه، ومقتكِ له؟ فبأي جسارة تتعرضين لمقتِ الله وغضبه وشديدِ عقابه؟! أفتظنّين أنكِ تُطيقين عذابه؟! هيهات هيهات! جرّبي نفسكِ إن ألهاكِ البطرُ عن أليم عذابه، فاحتبسي ساعة في الشمس أو في بيت الحمام، أو قرّبي إصبعكِ من النار، ليتبين لكِ قدر طاقتكِ. أوَتغترّين بكرم الله وفضله واستغنائه عن طاعتكِ وعبادتكِ؟! فما لكِ لا تعوّلين على كرم الله تعالى في مهمّات دنياكِ؟! فإذا قصدكِ عدوٌ، فلِمَ تستنبطين الحيلَ في دفعه، ولا تكِلينه إلى كرم الله تعالى؟! وإذا أرهقتكِ حاجة إلى شهوة من شهوات الدنيا، مما لا ينقضي إلا بالدينار والدرهم، فما لكِ تنزعين الروحَ في طلبها وتحصيلها من وجوه الحيل؟! فلِمَ لا تعوّلين على كرم الله تعالى، حتى يعثر بكِ على كنز، أو يُسخّرَ عبدًا من عبيده، فيحملَ إليكِ حاجتكِ من غير سعيٍ منكِ ولا طلب؟! أفتحسبين أن الله كريم في الآخرة دون الدنيا، وقد عرفتِ أنّ سُنّة الله لا تبديل لها، وأن ربّ الآخرة والدنيا واحد، (وأن ليسَ للإنسانِ إلا ما سَعَى) النجم 39؟!

يا نفسُ (3) :

ويحكِ يا نفسُ! ما أعجبَ نفاقكِ ودعاويكِ الباطلة! فإنكِ تدّعين الإيمان بلسانكِ، وأثرُ النفاق ظاهرٌ عليكِ! ألم يقل لكِ سيّدكِ ومولاكِ: (وما مِن دابّةٍ في الأرضِ إلا على اللهِ رِزقُها) هود 6، وقال في أمر الآخرة: (وأن ليسَ للإنسانِ إلا ما سَعَى) النجم 39. فقد تكفّل لكِ بأمر الدنيا خاصة، وصرفكِ عن السعي فيها، فكذبتيه بأفعالكِ، وأصبحتِ تتكالبين على طلبها تكالبَ المدهوش المستهتِر، ووكلَ أمرَ الآخرة إلى سعيكِ، فأعرضتِ عنها إعراضَ المغرور المستحقِر! ما هذا من علامات الإيمان. لو كان الإيمان باللسان، فلِمَ كان المنافقون (في الدّرْكِ الأسفلِ مِنَ النارِ) النساء 145؟!

يا نفسُ (4) :

ويحكِ يانفسُ! كأنكِ لا تؤمنين بيوم الحساب، وتظنين أنكِ إذا متِ انفلتِ وتخلّصتِ، هيهات! أتحسبين أنكِ تُتركين سُدًى؟! ألم تكوني (نُطفةً مِن مَنيّ يُمْنَى) القيامة 37، ثم كنتِ (علقةً فخلقَ فسوّى) القيامة 38، (أليسَ ذلكَ بقادرٍ على أن يُحييَ المَوتى) القيامة 40؟! فإن كان هذا من إضماركِ، فما أكفركِ وأجهلكِ! أما تتفكرين من ماذا خلقكِ؟ من نطفةٍ خلقكِ فقدّركِ، ثم السبيلَ يسّركِ، ثم أماتكِ فأقبركِ! أفتكذبينه في (معنى) قوله تعالى: ثم إذا شاء أنشركِ؟! فإن لم تكوني مكذّبة، فما لكِ لا تأخذين حِذْركِ؟! ولو أن يهوديًا أخبركِ في ألذّ أطعمتكِ بأنه يضرّكِ في مرضكِ، لصبرتِ عنه وتركتِه، وجاهدتِ نفسكِ فيه! أفكان قولُ الأنبياء المؤيّدين بالمعجزات، وقولُ الله تعالى في كتبه المنزلة، أقلّ عندكِ تأثيرًا من قول يهوديّ، يُخبركِ عن حدسٍ وتخمينٍ وظنٍ، مع نقصانِ عقلٍ وقصورِ علم؟! والعجبُ أنه لو أخبركِ طفلٌ بأنّ في ثوبكِ عقربًا لرميتِ ثوبكِ في الحال، من غير مطالبةٍ له بدليلٍ وبرهان! أفكان قولُ الأنبياء والعلماء والحكماء وكافة الأولياء أقلّ عندكِ من قول صبيّ من جملة الأغبياء! أم صار حرّ جهنمَ وأغلالُها وأنكالُها وزقّومُها ومقامعُها وصديدُها وسمومُها وأفاعيها وعقاربُها أحقرَ عندكِ من عقرب لا تُحسّين بألمها إلا يومًا أو أقلّ منه؟! ما هذه أفعال العقلاء، بل لو انكشف للبهائم حالُكِ لضحكوا منكِ، وسخِروا من عقلكِ!

يا نفسُ (5) :

فإن كنتِ يا نفسُ قد عرفتِ جميع ذلك، وآمنتِ به، فما لكِ تُسوّفين العمل، والموتُ لكِ بالمرصاد؟! ولعلّه يختطفكِ من غير مهلة، فيما إذا أمنتِ استعجال الأجل. وهَبْكِ أنكِ وُعدتِ بالإمهال مئة سنة، أفتظنين أن مَن يُطعم الدابة في حضيض العقبة يُفلح، ويقدر على قطع العقبة بها؟ إن ظننتِ ذلك فما أعظمَ جهلكِ! أرأيتِ لو سافر رجل ليتفقه في الغربة، فأقام فيها سنينَ متعطلاً بطالاً يَعِدُ نفسه بالتفقه في السنة الأخيرة، عند رجوعه إلى وطنه، هل كنتِ تضحكين من عقله وظنّه أنّ تفقيه النفس مما يُطمع فيه بمدة قريبة، أو حسبانِه أنّ مناصب الفقهاء تُنال من غير تفقه، اعتمادًا على كرم الله سبحانه وتعالى؟! ثم هَبِي أنّ الجهد في آخر العمر نافع، وأنه مُوصل إلى الدرجات العُلا، فلعلّ اليومَ آخرُ عمركِ، فلِمَ لا تشتغلين فيه بذلك؟ فإن أوحي إليكِ بالإمهال، فما المانع من المبادرة؟ وما الباعث لكِ على التسويف؟ هل له سبب إلا عجزكِ عن مخالفة شهواتكِ، لما فيها من التعب والمشقة؟! أفتنتظرين يومًا يأتيكِ، لا تعسر فيه مخالفة الشهوات؟! هذا يومٌ لم يخلقه الله قطّ ولا يخلقه، فلا تكونُ الجنّة قطّ إلا محفوفةً بالمكاره، ولا تكونُ المَكارهُ قطّ خفيفةً على النفوس، وهذا محالٌ وجودُه.

يا نفسُ (6) :

أما تتأملين مذ كم تَعِدين نفسكِ وتقولين: غدًا غدًا؟ فقد جاء الغد، وصار يومًا، فكيف وجدتِه؟ أما علمتِ أنّ الغد الذي جاء، وصار يومًا، كان له حكم الأمس، لا بل ما تعجزين عنه اليوم، فأنتِ غدًا عنه أعجزُ وأعجز! لأن الشهوة كالشجرة الراسخة التي تعبّد العبدُ بقلعها، فإذا عجز العبدُ عن قلعها للضعفِ وأخّرها، كان كمن عجز عن قلع شجرة، وهو شابّ قويّ، فأخّرها إلى سنةٍ أخرى، مع العلم بأن طول المدّة يزيد الشجرة قوةً ورسوخًا، ويزيد القالع ضعفًا ووهنًا، فما لا يقدر عليه في الشباب لا يقدر عليه في المشيب، بل مِن العناء رياضةُ الهرِم، ومن التعذيبِ تهذيبُ الديبِ، والقضيبُ الرطبُ يقبل الانحناء، فإذا جفّ وطال عليه الزمان، لم يقبل ذلك.

يا نفسُ (7) :

فإذا كنتِ أيتها النفسُ لا تفهمين هذه الأمور الجليّة، وتركَنين إلى التسويف، فما بالُكِ تدّعين الحكمة؟! وأية حماقة تزيد على هذه الحماقة؟! ولعلّكِ تقولين: ما يمنعني عن الاستقامة إلا حرصي على لذة الشهوات، وقلةُ صبري على الآلام والمشقات، فما أشدّ غباوتكِ، وأقبحَ اعتذارَكِ! إن كنتِ صادقة في ذلك، فاطلبي التنعم بالشهوات الصافية عن الكُدورات الدائمة أبدَ الآباد، ولا مطمعَ في ذلك إلا في الجنّة. فإن كنتِ ناظرة لشهوتكِ، فالنظرُ لها في مخالفتها، فربّ أكْلةٍ تمنع أكَلات! وما قولُكِ في عقلِ مريضٍ أشار عليه الطبيبُ بترك الماء البارد ثلاثةَ أيام، ليصحّ ويهنأ بشربه طولَ عمره، وأخبره أنه إن شرِب ذلك مَرِضَ مَرضًا مُزمنًا، وامتنع عليه شربُه طولَ العمر؟ فما مقتضى العقل في قضاء الشهوة؟ أيصبرُ ثلاثةَ أيام ليتنعّم طولَ العمر؟ أم يقضي شهوته في الحال، خوفًا من ألَم المخالفة ثلاثةَ أيام، حتى يلزمه ألَم المخالفة ثلاثمئة يوم أو ثلاثة آلاف يوم؟! وجميع عمركِ بالإضافة إلى الأبد الذي هو مدّة أهل الجنة وعذاب أهل النار أقلّ من ثلاثة أيام بالإضافة إلى جميع العمر، وإن طالت مدّته! وليت شعري ألَمُ الصبر عن الشهوات أعظمُ شدّة وأطولُ مدّة، أم ألَمُ النار في درَكاتِ جهنّم؟ فمن لا يُطيق الصبرَ على ألَم المجاهدة، كيف يُطيق ألَمَ عذابِ الله؟!

يا نفسُ (8-) :

ما أراكِ تتوانَين عن النظر لنفسكِ إلا لكفرٍ خفيّ أو لحمقٍ جليّ. أما الكفر الخفيّ فهو ضعفُ إيمانكِ بيوم الحساب، وقلةُ معرفتكِ بعظم قدر الثواب والعقاب. وأما الحمق الجليّ فاعتمادكِ على كرم الله تعالى وعفوِه، من غير التفاتٍ إلى مَكْرِهِ، واستدراجه واستغنائه عن عبادتكِ، مع أنكِ لا تعتمدين على كرمه في لقمةٍ من الخبز، أو حبّةٍ من المال، أو كلمةٍ واحدةٍ تسمعينها من الخلق، بل تتوصلين إلى غرضكِ في ذلك بجميع الحيل! وبهذا الجهل تستحقين لقب الحماقة من رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: (الكيّس من دان نفسه وعمل لما بعدَ الموت، والأحمق من أتبع نفسَه هواها وتمنّى على الله الأماني) المستدرك على الصحيحين للحاكم.

يا نفسُ (9) :

ويحكِ يا نفسُ! لا ينبغي أن تغرّكِ الحياة الدنيا، ولا يغرّنكِ بالله الغَرور. فانظري لنفسكِ، فما أمرُكِ بمُهمّ لغيركِ، ولا تضيعي أوقاتكِ، فالأنفاسُ معدودة، فإذا مضى منكِ نفَسٌ فقد ذهب بعضُكِ، فاغتنمي الصحة قبل السقَم، والفراغ قبل الشغل، والغنى قبل الفقر، والشباب قبل الهرَم، والحياة قبل الموت، واستعدّي للآخرة على قدر بقائكِ فيها.

يا نفسُ! أما تستعدّين للشتاء بقدر طول مدّته؟ فتجمعين له القوت والكسوة والحطب وجميع الأسباب، ولا تتكلين في ذلك على فضل الله وكرمه، حتى يدفع عنكِ البرد، من غير جبّة ولّبَد وحطب وغير ذلك، فإنه قادر على ذلك.

أفتظنين أيتها النفسُ أنّ زمهرير جهنم أخفّ بردًا وأقصر مدّة من زمهرير الشتاء؟! أم تظنين أنّ ذلك دون هذا؟! كلا أن يكون هذا كذلك، أو أن يكون بينهما مناسبة في الشدّة والبرودة.

أفتظنين أنّ العبد ينجو منها بغير سعي؟! هيهات كما لا يندفع برد الشتاء إلا بالجبّة والنار وسائر الأسباب، فلا يندفع حرّ النار وبردها إلا بحسن التوحيد وخندق الطاعات. وإنما كرمُ الله تعالى في أن عرّفكِ طريق التحصّن، ويسّر لكِ أسبابه، لا في أن يندفع عنكِ العذاب دون حصنه، كما أن كرم الله تعالى في دفع برد الشتاء أنْ خلق النار، وهداكِ لطريق استخراجها، مِن بين حديدٍ وحجر، حتى تدفعي بها برد الشتاء عن نفسكِ، وكما أنّ شراء الحطب والجبّة مما يَستغني عنه خالقُكِ ومولاكِ، وإنما تشترينه لنفسكِ، إذ خلقه سببًا لاستراحتكِ، فطاعاتُكِ ومجاهداتُكِ أيضًا هو مستغنٍ عنها، وإنما هي طريقُكِ إلى نجاتكِ. فمن أحسن فلنفسه، ومن أساء فعليها، والله غنيّ عن العالمين.

يا نفسُ (10) :

ويحكِ يا نفسُ! انزِعي عن جهلكِ، وقيسي آخرتكِ بدنياكِ، فـ (ما خلقُكم ولا بعثُكم إلا كنفسٍ واحدةٍ) لقمان 28، و (كما بدأنا أولَ خلقٍ نُعيدُه) الأنبياء 104، و(كما بدأكم تَعُودونَ) الأعراف 29، وسنّة الله تعالى لا تجدين لها تبديلاً ولا تحويلاً.

ويحكِ يا نفسُ! ما أراكِ إلا ألِفْتِ الدنيا وأنِسْتِ بها، فعسُر عليكِ مفارقتُها، وأنتِ مقبلةٌ على مقاربتها، وتؤكّدين في نفسكِ مودّتَها، فاحسبي أنكِ غافلةٌ عن عقاب الله وثوابه، وعن أهوالِ القيامة وأحوالِها، فما أنتِ مؤمنةٌ بالموت المفرّق بينكِ وبينَ محابّكِ. أفترين أنّ من يدخل دار ملِكٍ ليخرج من الجانب الآخر، فمدّ بصره إلى وجه مليح، يعلم أنه يستغرق ذلك قلبَه، ثم يضطر لا محالةَ إلى مفارقته، أهو معدودٌ من العقلاء، أم من الحمقى؟ أما تعلمين أنّ الدنيا دارٌ لملِكِ الملوك، وما لكِ فيها إلا مجاز، وكلّ ما فيها لا يَصحب المجتازين بها بعد الموت، ولذلك قال سيد البشر صلى الله عليه وسلم: (إنّ روح القدس نفث في رُوعي: أحبِبْ مَن أحببتَ فإنكَ مُفارقه! واعملْ ما شئتَ فإنكَ مَجزيّ به، وعِشْ ما شئتَ فإنكَ ميت)! المستدرك على الصحيحين للحاكم.

يا نفسُ (11) :

ويحكِ يا نفسُ! أتعلمين أنّ كلّ من يلتفتُ إلى ملاذّ الدنيا ويأنسُ بها، مع أنّ الموتَ من ورائه، فإنما يستكثرُ من الحسرة عند المفارقة، وإنما يتزودُ من السمّ المُهلك، وهو لا يدري! أوَما تنظرين إلى الذين مضَوا، كيف بنَوا وعلّوا ثم ذهبُوا وخلّوا؟! وكيف أورث اللهُ أرضَهم وديارَهم أعداءَهم؟! أما ترَينهم كيف يجمعون ما لا يأكلون! ويبنون ما لا يَسكنون! ويُؤمّلون ما لا يُدركون! يبني كل واحد قصرًا مرفوعًا إلى جهة السماء، ومقرّه قبرٌ محفورٌ تحت الأرض! فهل في الدنيا حمقٌ وانتكاسٌ أعظمُ من هذا؟! يعمر الواحد دنياه وهو مرتحل عنها يقينًا! ويخرب آخرته وهو صائر إليها قطعًا!

أما تستحيين يا نفسُ من مساعدة هؤلاء الحمقى على حماقتهم؟! واحسبي أنكِ لستِ ذات بصيرة تهتدي إلى هذه الأمور، وإنما تميلين بالطبع إلى التشبه والاقتداء، فقيسي عقلَ الأنبياء والعلماء والحكماء بعقل هؤلاء المنكبّين على الدنيا، واقتدي مِن الفريقين بمن هو أعقلُ عندكِ، إن كنتِ تعتقدين في نفسكِ العقلَ والذكاء!

يا نفسُ (12) :

يا نفسُ! ما أعجبَ أمركِ، وأشدّ جهلَكِ، وأظهرَ طغيانك! عجبًا لكِ كيف تَعمينَ عن هذه الأمور الواضحة الجليّة! ولعلكِ يا نفسُ أسكركِ حبّ الجاه، وأدهشكِ عن فهمها. أوَما تتفكرين أنّ الجاه لا معنى له إلا ميل القلوب من بعض الناس إليكِ؟! فاحسبي أنّ كلّ من على وجه الأرض سَجد لكِ وأطاعكِ، أفما تعرفين أنه بعد خمسين سنة لا تبقين أنتِ ولا أحدٌ ممن على وجه الأرض ممن عَبدكِ وسَجد لكِ؟! وسيأتي زمان لا يبقى ذِكْركِ، ولا ذِكْرُ مَن ذَكركِ، كما أتى على الملوك الذين كانوا مِن قبلكِ، فـ (هل تُحِسّ منهم مِن أحدٍ أو تسمعُ لهم رِكْزًا) مريم 98.

فكيف تبيعين يا نفسُ ما يبقى أبدَ الآباد بما لا يبقى أكثر من خمسين سنة؟! إنْ بقي هذا إن كنتِ مَلِكًا من ملوك الأرض، سلم لكِ الشرق والغرب، حتى أذعنتْ لكِ الرقابُ، وانتظمتْ لكِ الأسبابُ؟ كيف ويأبى إدباركِ وشقاوتكِ أن يسلم لكِ أمر محلّتكِ، بل أمر داركِ، فضلاً عن محلّتكِ؟! فإن كنتِ يا نفسُ لا تتركين الدنيا رغبةً في الآخرة، لجهلكِ وعمى بصيرتكِ، فما لكِ لا تتركينها ترفعًا عن خِسّة شركائها، وتنزّهًا عن كثرة عنائها، وتوقيًا من سرعة فنائها؟! أم ما لكِ لا تزهدين في قليلها، بعد أن زهد فيكِ كثيرُها؟! وما لكِ تفرحين بدنيا، إن ساعدتكِ فلا يخلو بلدكِ من جماعة من اليهود والمجوس يَسبقونكِ بها، ويَزيدون عليكِ في نعيمها وزينتها؟! فأفٍ لدنيا يَسبقكِ بها هؤلاء الأخسّاء! فما أجهلَكِ وأخسّ همّتكِ وأسقط رأيكِ، إذ رغبتِ عن أن تكوني في زمرة المقرّبين من النبيين والصدّيقين، في جوار ربّ العالمين، أبدَ الآبدين، لتكوني في صف النعال من جملة الحمقى الجاهلين أيامًا قلائلَ! فيا حسرةً عليكِ، إن خسرتِ الدنيا والدين! فبادري.

يا نفسُ (13) :

ويحكِ يا نفسُ! قد أشرفتِ على الهلاك، واقترب الموتُ، ووردَ النذيرُ، فمن ذا يُصلّي عنكِ بعد الموت؟ ومن ذا يصوم عنكِ بعد الموت؟ ومن ذا يترضّى عنكِ ربكِ بعد الموت؟

ويحكِ يا نفس! ما لكِ إلا أيامٌ معدودة، هي بضاعتكِ إن اتّجرتِ فيها، وقد ضيّعتِ أكثرها، فلو بكَيتِ بقيّةَ عمركِ على ما ضيّعتِ منها لكنتِ مقصّرة في حقّ نفسكِ! فكيف إذا ضيّعتِ البقيّة، وأصررتِ على عادتكِ؟! أما تعلمين يا نفسُ أنّ الموتَ موعدُكِ، والقبرَ بيتُكِ، والترابَ فِراشُكِ، والدودَ أنيسُكِ، والفزعَ الأكبرَ بين يديكِ؟! أما علمتِ يا نفسُ أنّ عسكرَ الموتِ عندكِ على باب البلد ينتظرونكِ، وقد آلَوا على أنفسهم كلّهم بالأيمان المغلّظة أنهم لا يبرحون من مكانهم، ما لم يأخذوكِ معهم؟! أما تعلمين يا نفسُ أنهم يتمنّون الرجعة إلى الدنيا يومًا، ليشتغلوا بتدارك ما فرط منهم، وأنتِ في أمنيتهم، ويومٌ من عمركِ لو بيع منهم بالدنيا بحذافيرها لاشتروه لو قدروا عليه، وأنتِ تضيعين أيامكِ في الغفلة والبطالة!

يا نفسُ (14) :

ويحكِ يا نفسُ! أما تستحيين؟! تُزيّنين ظاهركِ للخلق، وتُبارزين اللهَ في السرّ بالعظائم؟! أفتستحيين من الخلْق، ولا تستحيين من الخالق؟! ويحكِ أهو أهونُ الناظرين عليكِ؟! أتأمرين الناسَ بالخير، وأنتِ متلطخة بالرذائل، وتدْعين إلى الله وأنتِ عنه فارّة؟! وتُذكّرين بالله وأنتِ له ناسية؟! أما تعلمين يا نفسُ أن المذنب أنتنُ من العَذِرة، وأن العَذِرة لا تُطهّر غيرها، فلمَ تطمعين في تطهير غيركِ، وأنتِ غيرُ طيّبةٍ في نفسكِ؟!

ويحكِ يا نفسُ! لو عرفتِ نفسكِ حق المعرفة لظننتِ أن الناس ما يُصيبهم بلاء إلا بشؤمكِ!
ويحكِ يا نفسُ! قد جعلتِ نفسكِ حمارًا لإبليس، يقودكِ إلى حيث يريد، ويَسْخر بكِ! ومع هذا تعجبين بعملكِ، وفيه من الآفات ما لو نَجَوتِ منه رأسًا برأس لكان الربح في يديكِ! وكيف تعجبين بعملكِ، مع كثرة خطاياكِ وزللكِ، وقد لعن اللهُ إبليسَ بخطيئةٍ واحدةٍ، بعد أن عبده مئتي ألف سنة، وأخرج آدمَ من الجنة بخطيئةٍ واحدةٍ، مع كونِه نبيّه وصفيّه!

يا نفسُ (15) :

ويحكِ يا نفسُ ما أغدركِ! ويحكِ يا نفسُ ما أوقحكِ! ويحكِ يا نفسُ ما أجهلكِ وما أجرأكِ على المعاصي! ويحكِ كم تعقدين فتنقضين! ويحكِ كم تعاهدين فتغدرين! ويحكِ يا نفسُ! أتشتغلين مع هذه الخطايا بعمارة دنياكِ، كأنكِ غيرُ مرتحلةٍ عنها؟! أما تنظرين إلى أهل القبور كيف كانوا؟! جمعوا كثيرًا، وبنَوا مشيدًا، وأمّلوا بعيدًا، فأصبح جمعُهم بُورًا، وبنيانُهم قبورًا، وأملُهم غُرورًا!

ويحك يا نفسُ! أما لكِ بهم عِبرة! أما لكِ إليهم نظرة! أتظنين أنهم دُعوا إلى الآخرة، وأنتِ من المخلّدين؟! هيهات هيهات ساءَ ما تتوهمين! ما أنتِ إلا في هِدْم عمركِ، منذ سقطتِ من بطن أمكِ، فابني على وجه الأرض قصركِ، فإنّ بطنها عن قليلٍ يكون قبركِ! أما تخافين إذا بلغَتِ النفسُ منكِ التراقي أن تبدو رُسُل ربكِ منحدرةً إليكِ، بسوادِ الألوان وكلَحِ الوجوه وبُشرى بالعذاب؟! فهل ينفعكِ حينئذٍ الندم، أو يُقبل منكِ الحزن، أو يُرحم منكِ البكاء؟! والعجبُ كلّ العجب منكِ يا نفسُ أنكِ مع هذا تدّعين البصيرةَ والفطنة! ومن فطنتكِ أنكِ تفرحين كلّ يوم بزيادةِ مالكِ، ولا تحزنين بنقصانِ عُمركِ! وما نفعُ مالٍ يزيد، وعمرٌ ينقص؟!

يا نفسُ (16) :

ويحكِ يا نفسُ! تُعرضين عن الآخرة وهي مُقبلةٌ عليكِ، وتُقبلين على الدنيا وهي مُعرِضةٌ عنكِ! فكم مِن مستقبلٍ يومًا لا يَستكمله! وكم من مؤمّلٍ لغدٍ لا يَبلغه! فأنتِ تشاهدين ذلكَ في إخوانكِ وأقاربكِ وجيرانكِ، فترينَ تحسّرَهم عند الموت، ثم لا تَرجعين عن جَهالتكِ! فاحذري أيتها النفسُ المسكينةُ يومًا، آلى اللهُ فيه على نفسه ألا يتركَ عبدًا، أمره في الدنيا ونهاه، حتى يسألَه عن عملِه، دقيقِه وجليلِه، سرّه وعلانيتِه!

فانظري يا نفسُ بأيّ بدنٍ تقفين بين يدي الله! وبأيّ لسانٍ تجيبين! وأعدّي للسؤالِ جوابًا، وللجوابِ صوابًا! واعملي بقيةَ عُمركِ في أيام قِصار لأيام طِوال، وفي دار زوالٍ لدار مقامة، وفي دار حزنٍ ونصَبٍ لدار نعيم وخلود. اعملي قبل ألا تعملي! اخرجي من الدنيا اختيارًا خروجَ الأحرار، قبل أن تخرجي منها على الاضطرار! ولا تفرحي بما يساعدكِ من زهرات الدنيا. فربّ مسرورٍ مغبون، وربّ مغبونٍ لا يشعر! فويلٌ لمن له الويلُ، ثم لا يشعر! يضحكُ ويفرح، ويلهو ويمرح، ويأكلُ ويشرب، وقد حقّ له في كتاب الله أنه مِن وقود النار! فليكنْ نظرُكِ يا نفسُ إلى الدنيا اعتبارًا، وسعيُكِ لها اضطرارًا، ورفضُكِ لها اختيارًا، وطلبُك للآخرة ابتدارًا! ولا تكوني ممن يَعجز عن شكر ما أوتي، ويبتغي الزيادةَ فيما بقي، ويَنهى الناسَ ولا ينتهي!

يا نفسُ (17) :

واعلمي يا نفسُ أنه ليس للدينِ عِوَض، ولا للإيمانِ بدَل، ولا للجسدِ خلَف! ومَن كانت مطيّته الليل والنهار فإنّه يُسارُ به، وإنْ لم يَسِرْ! فاتعظي يا نفسُ بهذه الموعظة، واقبلي هذه النصيحة. فإنّ مَن أعرض عن الموعظة فقد رضي بالنار! وما أراكِ بها راضية، ولا لهذه الموعظة واعية. فإن كانت القساوةُ تمنعُكِ عن قبول الموعظة فاستعيني عليها بدوام التهجدِ والقيام. فإن لم تزُلْ فبالمواظبةِ على الصيام. فإن لم تزُلْ فبقلّةِ المخالطةِ والكلام. فإن لم تزُلْ فبصلةِ الأرحام، واللطفِ بالأيتام. فإن لم تزُلْ فاعلمي أنّ الله قد طَبع على قلبكِ وأقفلَ عليه، وأنّه قد تراكمتْ ظلمةُ الذنوب على ظاهره وباطنه، فوطّني نفسكِ على النار، فقد خلقَ اللهُ الجنّةَ وخلقَ لها أهلاً، وخلقَ النارَ وخلقَ لها أهلاً، وكلّ ميسّرٌ لما خُلِقَ له!

يا نفسُ (18) :

فإنْ لم يبقَ فيكِ مجالٌ للوعظ فاقنَطي من نفسكِ، والقنوط كبيرةٌ مِن الكبائر، نعوذ بالله من ذلك. فلا سبيلَ لكِ إلى القنوط، ولا سبيلَ لكِ إلى الرجاء، مع انسداد طُرق الخير عليكِ، فإنّ ذلك اغترارٌ وليس برجاء! فانظري الآنَ هل يأخذكِ حزنٌ على هذه المصيبة التي ابتُليتِ بها؟! وهل تسمحُ عينُكِ بدمعةٍ رحمةً منكِ على نفسكِ؟! فإن سمحتْ فمستقي الدمع من بحر الرحمة، فقد بقي فيكِ موضع للرجاء، فواظبي على النياحة والبكاء، واستغيثي بأرحم الراحمين، واشتكي إلى أكرم الأكرمين، وأدْمِني الاستغاثة، ولا تَمَلّي طولَ الشكاية، لعلّه أن يرحمَ ضعفَكِ ويُغيثكِ، فإنّ مصيبتكِ قد عظمتْ، وبليّتكِ قد تفاقمتْ، وتماديكِ قد طال، وقد انقطعتْ منكِ الحِيل، وراحتْ عنكِ العِلل، فلا مَذهبَ ولا مَطلبَ، ولا مُستغاثَ ولا مَهربَ، ولا ملجأ ولا مَنجى إلا إلى مَولاكِ، فافزعي إليه بالتضرّع، واخشعي في تضرّعكِ على قدر عِظم جهلكِ، وكثرةِ ذنوبكِ، لأنه يَرحمُ المتضرّعَ الذليل، ويُغيث الطالبَ المتلهف، ويُجيب دعوةَ المضطر، وقد أصبحتِ إليه اليومَ مضطرة، وإلى رحمته محتاجة، وقد ضاقتْ بكِ السبل، وانسدّتْ عليكِ الطرق، وانقطعتْ منكِ الحِيل، ولم تنجعْ فيكِ العِظات، ولم يكسرْكِ التوبيخ، فالمطلوبُ منه كريمٌ، والمسؤولُ جوادٌ، والمستغاثُ به بَرّ رؤوفٌ، والرحمةُ واسعةٌ، والكرمُ فائضٌ، والعفوُ شاملٌ.

يا نفسُ (19) :

وقولي: يا أرحمَ الراحمين! يا رحمنُ يا رحيم! يا حليمُ يا عظيمُ يا كريم! أنا المذنبُ المُصِرّ، أنا الجريء الذي لا أقلعُ، أنا المتمادي الذي لا أستحيي! هذا مقامُ المتضرّعِ المسكين، والبائسِ الفقير، والضعيفِ الحقير، والهالكِ الغريق! عَجّلْ إغاثتي وفرَجي، وأرنِي آثارَ رحمتكَ، وأذِقْني بردَ عفوكَ ومغفرتكَ، وارزقْني قوةَ عظمتكَ، يا أرحمَ الراحمين، اقتداءً بأبيكِ آدمَ عليه السلام. فقد قال وهب بن منبه: لما أهبط اللهُ آدمَ من الجنة إلى الأرض، مكث لا ترقأ له دمعة، فاطلع الله عز وجل عليه في اليوم السابع، وهو محزون كئيب كظيم منكّسٌ رأسَه، فأوحى اللهُ تعالى إليه: يا آدمُ ما هذا الجهدُ الذي أرى بكَ؟ قال: يا ربّ عظمتْ مصيبتي، وأحاطتْ بي خطيئتي، وأخرجتُ من ملكوت ربي، فصرتُ في دار الهوان بعد الكرامة، وفي دار الشقاء بعد السعادة، وفي دار النصَب بعد الراحة، وفي دار البلاء بعد العافية، وفي دار الزوال بعد القرار، وفي دار الموت والفناء بعد الخلود والبقاء! فكيف لا أبكي على خطيئتي؟! فأوحى الله تعالى إليه: يا آدمُ ألَمْ أصطفِكَ لنفسي، وأحللتكَ داري، وخصصتكَ بكرامتي، وحذّرتكَ سخطي؟ ألمْ أخلقكَ بيدي، ونفختُ فيكَ من روحي، وأسجدتُ لكَ ملائكتي، فعصيتَ أمري، ونسِيتَ عهدي، وتعرضتَ لسخطي! فوعزّتي وجلالي لو ملأتُ الأرض رجالاً كلّهم مِثلكَ، يَعبدونني ويُسبّحونني ثم عَصَوني، لأنزلتُهم منازلَ العاصين! فبكى آدمُ عليه السلام عندَ ذلك! انتهى نص الغزالي.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
أرقّ ما قرأتُ في الرقائق والتصوف للغزالي.
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
سيــدي هجـــرس لكل الشرفــــاء :: الروحانـيــــات والعـــــلاج بالقـــــــــران-
انتقل الى: