مِن نُكَتِ القرآن
وإذا سألك عبادي عني فإني قريب
(وإذا سألكَ عبادي عنّي فإنّي قريبٌ أجيبُ دعوةَ الداعِ إذا دعانِ) البقرة 186.
جاء في سبب النزول:
- أن أعرابيًا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال له: أقريبٌ ربّنا فنناجيه، أم بعيدٌ فنناديه؟
- قالت اليهود: كيف يسمع ربّنا دعاءنا، وأنت تزعم أن بيننا وبين السماء 500 عام؟!
سألك:
يا محمد.
سألك عبادي عني:
- عن القرب والبعد.
- عن ساعة الدعاء.
- عن مكان الدعاء.
- عن كيفية الدعاء: جهرًا، سرًا. بجميع الأسماء، بأسماء معينة.
- عن إجابة الدعاء.
- عما هو أعمّ.
قد يكون سؤالاً عن ذات الله، ولكن الله صرفه إلى أشياء أخرى.
الداع:
الداعي، وفيه قراءة.
دعان:
دعاني، وفيه قراءة.
قريب:
- بالعلم.
- بالإجابة.
- بالإنعام.
لم يقل:
- فقلْ لهم إنّي قريب.
- فقلْ إنّي قريب.
قال البغوي: فيه إضمار كأنه قال: فقل لهم إني قريب منهم بالعلم لا يخفى عليّ شيء! (ومثله في تفسير أبي حيان).
وسيأتيك قول الرازي آخر المقال.
وقال ابن عاشور:
لم يقل: فقلْ لهم إني قريب؛ إيجازًا لظهوره من قوله: وإذا سألك عبادي عني، وتنبيهًا على أن السؤال مفروض غير واقع منهم بالفعل، وفيه لطيفة قرآنية، وهي إيهام أن الله تعالى تولّى جوابهم عن سؤالهم بنفسه، إذ حذف في اللفظ ما يدلّ على وساطة النبيء صلى الله عليه وسلم، تنبيهًا على شدة قرب العبد من ربه في مقام الدعاء.
أجيبُ دعوة الداعِ إذا دعانِ:
- أقبلُ عبادةَ مَن عبدني. الدعاء بمعنى: العبادة.
- الدعاء بمعناه.
- لا يستجيب الله كل دعاء.
- لا يجيب المعتدين في الدعاء (ادعوا ربكم تضرعًا وخُفيةً إنه لا يحبّ المعتدين) الأعراف 55 كمن يرتكبون الكبائر، ويأكلون الحرام (الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمدّ يديه إلى السماء: يا رب .. يا رب! ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغُذّي بالحرام، فأنّى يستجاب له)؟! صحيح مسلم.
- أجيبُ إن شئتُ، وكيف شئتُ، ومتى شئتُ.
- هناك آداب للدعاء (كالثناء قبل الدعاء)، وأزمنة وأمكنة مستحبة.
آيات أخرى: ذكرها الرازي كلها في تفسير الآية.
- (يسألكَ الناس عن الساعة قلْ إنما علمها عند الله) الأحزاب 63
- (يسألونكَ عن الأهلّة قلْ هي مواقيت للناس والحج) البقرة 189
- (يسألونكَ ماذا ينفقون قلْ ما أنفقتم من خير فللوالدينِ والأقربينَ واليتامى والمساكينِ وابنِ السبيل) البقرة 215
- (يسألونكَ عن الشهر الحرام قتالٍ فيه قلْ قتالٌ فيه كبيرٌ) البقرة 217
- (يسألونكَ عن الخمر والميسر قلْ فيهما إثم كبير ومنافعُ للناس وإثمهما أكبر من نفعهما) البقرة 219
- (ويسألونكَ ماذا ينفقون قلِ العفو) البقرة 219
- (ويسألونكَ عن اليتامى قلْ إصلاح لهم خير) البقرة 220
- (ويسألونكَ عن المحيض قلْ هو أذًى) البقرة 222
- (يسألونكَ ماذا أحلّ لهم قلْ أحلّ لكم الطيبات) المائدة 4
- (يسألونكَ عن الساعة أيانَ مُرساها قلْ إنما علمها عند ربي) الأعراف 187
- (يسألونكَ كأنك حفيّ عنها قلْ إنما علمها عند الله) الأعراف 187
- (يسألونكَ عن الأنفال قلِ الأنفال لله والرسول) الأنفال 1
- (ويسألونكَ عن الروح قلِ الروح من أمر ربي) الإسراء 85
- (ويسألونكَ عن ذي القرنين قلْ سأتلو عليكم منه ذكرًا) الكهف 83
- (ويسألونكَ عن الجبال فقلْ ينسِفها ربي نسفًا) طه 105
- (يسألونكَ عن الساعة أيان مرساها. فيم أنت من ذكراها. إلى ربك منتهاها. إنما أنت منذرُ من يخشاها. كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها) النازعات 42. لم يقل: قلْ فيمَ أنا مِن ذكراها. إلى ربي منتهاها. إنما أنا منذر مَن يخشاها. كأنكم يوم ترونها لم تلبثوا إلا عشيةً أو ضحاها.
- (ويستنبئونكَ أحقّ هو قلْ إي وربّي إنّه لحقّ) يونس 53.
- (يستفتونكَ قلِ اللهُ يُفتيكم في الكلالة) النساء 176.
قال الرازي:
إذا عرفت هذا، فنقول: هذه الأسئلة جاءت أجوبتها على ثلاثة أنواع:
1- فالأغلب فيها أنه تعالى لما حكى السؤال قال لمحمد: قُلْ.
2- وفي صورة واحدة جاء الجواب بقوله: فقلْ، مع فاء التعقيب. والسبب فيه أن قوله تعالى: ( ويسألونك عن الجبال) طه 105، سؤال عن قدمها وحدوثها، وهذه مسألة أصولية فلا جرم قال الله تعالى : ( فقل ينسِفُها ربّي نسفًا) طه 105 كأنه قال: يا محمد أجبْ عن هذا السؤال في الحال، ولا تؤخر الجواب، فإن الشك فيه كفر. ثم تقدير الجواب أن النسف ممكن في كل جزء من أجزاء الجبل، فيكون ممكنًا في الكلّ وجواز عدمه يدل على امتناع قدمه، أما سائر المسائل فهي فروعية فلا جرم لم يذكر فيها فاء التعقيب.
3- أما الصورة الثالثة وهي في هذه الآية قال : ( وإذا سألكَ عبادي عنّي فإنّي قريب )، ولم يقل: فقلْ إني قريب، فتدلّ على تعظيم حال الدعاء من وجوه:
الأول: كأنه سبحانه وتعالى يقول: عبدي! أنت إنما تحتاج إلى الواسطة في غير وقت الدعاء، أما في مقام الدعاء فلا واسطة بيني وبينك (...).
السبت 20/4/2013م رفيق يونس المصري