سيرة حافلة بالعلم والإنجازات
هو محمد الهادي الحسني، من مواليد 1947 في بني ياجيس جنوب شرق جيجل، ترعرع في بيئة بدوية لا ينساق أهلها إلا بما ورد في القرآن، كما شهد على ذلك أحد جنرالات الفرنسيين 52، تربّى في بيت علم و وحفظ لكتاب الله، بدأ حفظ كتاب الله على يد سيدي الشريف مهرهرة، أحد معلمي كتاب الله الذي كان في بيتهم والذي يحكي عنه الشيخ فيقول إنّه كان قاسيا مع تلاميذه فرفضت الدراسة عنده حتى تعهّد لعمّي بأنّه لن يكون كذلك معي، وحتى يؤكّد له ذلك ذبح خروفا عندما حفظت بضع آيات ليظهر لعمّي البهجة بي وأنّي محبوب عنده، ليكمل حفظ كتاب الله على والده.
البيت الذي ترعرع فيه الشيخ كان بيتا ميسور الحال إذا ما قورن بباقي بيوت المنطقة، فكانوا يملكون من المواشي والخيول وبيتهم الوحيد الذي عليه "قرمود". وكان بيتهم مأوى للمجاهدين ومن أشهرهم قادة المنطقة أحمد لعيني والهاشمي بن الزين، وكان والده يعمل مديرا لأملاك أحد القيّاد وأصبح بعد ذلك مطاردا من معمّر فرنسي اسمه "لوشار" لأنّه اشتم فيه رائحة إمداد المجاهدين ذلك أنّه كان يعدّ الكرتوش لإعطائه لهم، وبسبب معركة وقعت قرب منزلهم وكان والده هو من سار بالمجاهدين بين الشعاب وكان دليلهم لإخراجهم من المنطقة، جاءت فرنسا وفخخت بيت الأسرة من الجهات الأربع فدمّر، كما دمّرت المدرسة الفرنسية التي تعلّم فيها لسنة واحدة في المعركة.
الرحيل إلى جيجل
فرحلوا إلى مدينة جيجل بالثياب التي عليهم، وهناك كان أوّل من تعلّم عليه الدراسة الابتدائية هو الشيخ مصطفى عبادة، أحد تلاميذ الشيخ ابن باديس، في مرآب شخص اسمه ابن الرميلي وسط رائحة القاذورات حتى أنّ التلاميذ كانوا يدرسون ويسدّون أنوفهم بأيديهم، ثمّ حوّلنا إلى مرآب أنظف لعائلة تسمّى عائلة آبركان، وفي سنة 1961 ذهبنا إلى مدرسة الحياة للبنات التي أسسها الشيخ البشير الإبراهيمي، بعد أن استولت فرنسا على مدرسة الحياة العامّة الأولى التي أسسها الشيخ ابن باديس، كان مدير مدرسة البنات هو الشيخ محمد الطاهر الساحلي، وكان عضو آخر مكتب إداري لجمعية العلماء المسلمين في عهد ابن باديس، وكان إماما سيما نظيفا من العلماء، من الشخصيات التي ساهمت في تأسيس فكر وتوجّهه الحسني عمّار مزراق، الذي تعلّم على يديه وكان كلّما كلّف التلاميذ بإنشاء وجد الشيخ محمد، قد لجأ إلى القرآن في تعبيره فيوصيه بالاستمساك بهذا الأسلوب.
إلى العاصمة
بإلحاح من الأخ الأكبر توجّه الشيخ إلى العاصمة سنة 62، ليسجّل في مدرسة المرادية التي كان يديرها المكّي عبادة، وبعدها علم بمسابقة للدخول إلى ثانوية ابن خلدون، وكان حينها يدرّس الطورين المتوسط و الثانوي في نفس المدرسة وهي المدرسة التي اختطف منها الشيخ العربي التبسي، وكان الاختبار تبع للانشاء من أجل التسجيل في السنة الأولى أو الثانية متوسّط، إلا أنّ ضعف القدرات المادية في المدرسة جعل المسؤولين يدخلون الجميع في السنة الأولى، يقول الشيخ عن نفسه أنّه عندما دخل إلى العاصمة كان "كمثل من حمل من البادية إلى نيويورك"، وكان مولعا بالقراءة فوجدت المناخ العاصمي ملائما لذلك لتوفّر المكتبات، وكان قبل ذلك عندما ختم كتاب الله في مدينة جيجل، فأراد والده أن يكافئه فطلب منه الشيخ الهادي أن يشتري له كتابا من العاصمة فجاءه بكتاب "تاريخ الجزائر العام" في جزئين لمؤلفه عبد الرحمن الجلالي، والكتاب الثاني "تاريخ الأمّة العربية" من ستة أجزاء لمؤلفه محمد أسعد طلس، ما أثّر فيه حتى أنّه يقول بأني منذ دخلت العاصمة ما من دينار يقع في يدي إلا واشتريت به كتابا.
في سنة 63 انطلق معرّب عبّان رمضان، فتوجه إليه ودرس فيه الثانية والثالثة متوسط ومن أشهر أساتذته فيها عبد الحفيظ بدري، من تبسة الذي يقول أنّه لم يسمع في المشرق والمغرب أفصح منه، وهو من فتح له طريق قراءة روائع الأدب العربي، وهو من أمر مدير الثانوية الفرنسي بأن يلغي وجبة غذائية للتلاميذ من أجل أن تفتح لهم مكتبة وتشترى بها الكتب، وكان المدير يرفض هذا التوجه فيردّ عليه "أنت تريدهم رعاة خنازير فلست بأحرص عليهم منّي"، وفرض على التلاميذ قراءة كتاب في الأسبوع وبمبلغ مالي يدفعونه للمكتبة لجمعه وشري كتب أخرى للمدرسة، وكان بدري حريصا على التلاميذ ويضربهم ضرب محبة وود سواء داخل الثانوية أو خارجها إذا لم يجد في أيديهم كتابا، فأسس لهم مكتبة الهداية وفرض على الإدارة تخصيص قاعة لصلاة التلاميذ والأساتذة.
الدراسة في الكويت
من الخدمات الجليلة التي قدّمتها الدول العربية للجزائر قبل الثورة وبعد الاستقلال، تقديم منح لأبناء الجزائر من أجل إتمام دراستهم في تلك البلدان، فسافر إلى الكويت ودرس الثانوي أربع سنوات في ظل الإحترام والتقدير، وممن تأثّر بهم فيها عبد الحميد عرفات، المصري أستاذ اللغة العربية وعبد العزيز عرابي، المصري أيضا مدرّس التاريخ الذي انتبه إلى فطنة الشيخ عندما صحح له عندما قال بأنّ مساحة الجزائر هي 200 ألف كلم فرد الشيخ الهادي، بأنّها أكثر من 2 مليون ودلل له على ذلك فأمره الشيخ بأن يحضّر هو الدرس القادم.
في الكويت اكتشف الشيخ المفكّر مالك بن نبي، حيث زار الطلبة سنة 66 ولما رأى أنّ مدير الثانوية يقود به السيارة والمدرسون يتهافتون إليه أدرك أنّ قيمته كبيرة اهتم به ودرس كتبه وتأثّر بفكره.
العودة إلى الجزائر والتسجيل في الجامعة
عاد الحسني إلى البلاد وسجّل في جامعة الجزائر سنة 1969 في اختصاص التاريخ، وفيها سمع بعدد من رموز الحركة الإسلامية كعمّار طالبي وأحمد سحنون وغيرهما، وأهم من تأثّر بهم في الجامعة أبو القاسم سعد الله، الذي كتب في الشيخ الحسني بعد ذلك بثناء على جريدة "الشروق" ما رآه الشيخ وسام شرف له وأيضا تأثّر بالدكتور لقيال، يقول بأنّه في الجامعة دخل عالم الأفكار ولو متأخرا عن طريق مسجد الطلبة في وقت كان الإسلام غريبا، ولم تكن في الجامعة إلا خمس متحجبات، فتعرّف هناك على حقيقة الصراع بين الشيوعية والإسلام عن طريق الأستاذ رشيد بن عيسى، وعبد الوهاب حمودة ومالك بن نبي الذي من ندرة كتبه حينها نسخ له كتابين بخطّ يده. ودرس سنة أولى تحضيري في الجامعة على يد محمد الميلي، و الشيخ أحمد حمّاني، وكانت التجاذبات الإيديولوجية في الجامعة في أوجها ومن أمثلة ذلك أنّ الشيخ وغيره من الطلبة خاضوا صراعا كبيرا بالمطارق مع الشيوعيين بعد أن قرروا تسمية إحدى القاعات باسم لينين، فخذلوا أمام نصر كبير للطرف الآخر جعلهم يسمّون القاعة بابن باديس، رمز العروبة والإسلام في الجزائر .
الالتحاق بالخدمة الوطنية
سنة 1972 التحق بالخدمة الوطنية [الدفعة الثامنة في أكاديمية شرشال] تحت إمرة العقيد محمد رمضاني، الذي أصبح ضابط صف بعد ذلك، هناك فكّر في أن ينخرط في الحياة العسكرية وأن يكون ضابطا فيها، ولكن بعد 6 أشهر حوّل إلى البليدة، فلم ير فيها ما رآه بشرشال حيث وجد هناك ضبّاط فرنسا هناك ولم يكن فيها مسجد عكس شرشال ما يدفعهم إلى الصلاة في بيت السلاح، ما صرفه عن تفكيره السابق. إلا أنّه لا ينكر أنّه تعرّف أثناء الخدمة العسكرية بضبّاط من أطيب الناس كسعيدي عبد الحميد وغيره.
الحياة الأسرية
تزوّج الشيخ سنة 1980 بعد أن تعرّف على الزوجة عن طريق زميل دراسة، وهي بنت الشيخ العربي بوزكّي، وكان إماما بمسجد ابن باديس في البليدة، يقول بأنّه "عاش معها حياة هادئة مطمئنّة"، رزق منها بستة أبناء اثنين أولاد وأربع بنات تخرّج أغلبهم وهم بالترتيب محمد الأمين شهادة حقوق ومحمد الصديق ووناسة هندسة معمارية ومنى بيولوجيا ومونيا اقتصاد وإسراء في الطور الثانوي.
بداية البروز في الساحة
التحق بعد ذلك بدار النشر كرئيس القلم العربي والتراث، ما سمح له بالتعرّف أكثر بمثقفي الجزائر كمحمد ناصر وعبد الرزاق ڤسوم. وفي سنة 86 انتدب إلى مسجد باريس بطلب من الشيخ عبّاس أحد أساطين جمعية العلماء، إلا أنّه بعد عام من السفر إلى فرنسا قرر بأنّه لا معيشة له فيها فأرجع الأمّ و الأولاد ليكمل فيها سنتين أخريين ويعود إلى الجزائر، بعد العودة عيّن نائب المدير للتراث في وزارة الشؤون الدينية، في وقت عبد الباقي بوعلام، ثمّ عيّن الشيخ سعيد شيبانو فأصبح الحسني مدير الثقافة والملتقيات في الوزارة، إلا أنّه في عهد بن رضوان، طاف بالكعبة وهو يدعو الله أن يخرجه من الوزارة وكان له ذلك، التحق بالمعهد العالي لأصول الدين ودرّس فيه تاريخ الجزائر وأعتزّ بتدريس سيرة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
عودة الجمعية
بعد حرب الخليج انطلقت البيانات المنددة بها من عديد دول العالم، فاقترح الشيخ ومن معه بأن يكون للجزائر أيضا بيان للعلماء والدعاة ينددون فيه بالحرب، فجاءت الفكرة على بيان يوقعه الشيخ أحمد حمّاني، فاشترط عليهم عودة جمعية العلماء فكان ذلك وانتسب الشيخ لها.
وقفات
لم ينتسب الشيخ لأي تيار أو حزب، وذلك تأثرا بمالك بن نبي وابن باديس، حيث أشار كل منهما إلى البعد عن العمل الحزبي.
يرفض أن يحمّل "الإسلاميون" وحدهم فاجعة إنزلاق الأوضاع في العشرية السوداء، ويحمّل من عاد الله و الإسلام .
يقول أنا مع الإسلام وضد "الحڤرة" واحتقار الشعب الجزائري، وأعلم لأن هناك مكيدة كبرى للجزائر.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]