عـنايـــــة الإســـلام بمـرحلـة الطفـــــــولة

عناية الإسلام بمرحلة الطفولة

من جملة النعم التي أنعم الله  بها على عباده نعمة الذرية التي تبهج النفس ويتزين بها المرء في المجالس صغاراً كانوا أو كباراً، قال تعالى * الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا * الكهف: ٤٦
فهم زينة وبهجة تاقت لها نفوس الأنبياء كما حكى الله  عن زكريا قوله قَالَ تعالى * رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا 4 وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا 5 يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ۖ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا 6 *مريم: ٤ - ٦ ولذا فقد حثَّ الشارع الحكيم على حسن رعاية هذه النعمة من وقت مبكر حين أوصى الرجل بحسن اختيار الزوجة التي ستكون حاضنة أولاده ومربيتهم كما في الحديث المروي عن أبي هريرة  : عن النبي  قال :تنكح المرأة لأربع لمالها ولحسبها وجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك. ( )

وفي المقابل أوصى المرأة بحسن اختيار الزوج كما في الحديث المروي عن أبي حاتم المزني : قال: قال رسول الله  :إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فانكحوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد ،قالوا: يا رسول الله وان كان فيه ؟قال : إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فانكحوه ثلاث مرات. ( )
وهكذا استمرت الوصايا تحفُّ الطفل في الشريعة منذ ولادته وحتى يكبر بغية الفوز بفرد صالح يحسن عمارة الأرض و يحقق غاية الخلق من عبادة الله .
ومن أكثر المراحل التي أولادها الإسلام عناية خاصَّة لتحقيق هذا الهدف هي مرحلة الطفولة التي تشكل لبنة الأساس في شخصية الإنسان ومن ذلك:
1) حسن اختيار اسم المولود:حيث أمر الأبوين بحسن اختيار اسم مولودهم حتى ثبت عنه  تغيير الأسماء القبيحة لما في ذلك من أثر على شخصية المرء كما ورد في صحيح مسلم عن بن عمر أن ابنة لعمر كانت يقال لها عاصية فسماها رسول الله  جميلة ( )
2) تعويدهم على الصلاة من سن مبكر:حيث أوصاهم بتعويد أبناءهم على الصلاة لسبع سنين وضربهم عليها لعشر كما في الحديث المروي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال قال رسول الله: مروا الصبيان بالصلاة لسبع سنين واضربوهم عليها في عشر سنين وفرقوا بينهم في المضاجع ( )
3) الرحمة بالأبناء :كما أوصاهم بالرحمة بهم عن أبي هريرة  قال:قبَّل رسول الله  الحسن بن علي وعنده الأقرع بن حابس التميمي جالسا فقال الأقرع: إن لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحدا، فنظر إليه رسول الله  ثم قال:من لا يرحم لا يرحم. ( )
4) المساواة بينهم في العطية: فقد ورد عن جابر قال: قالت امرأة بشير انحل ابني غلامك وأشهد لي رسول الله  فأتى رسول الله  فقال إن ابنة فلان سألتني أن أنحل ابنها غلامي وقالت أشهد لي رسول الله  فقال: أله إخوة ؟ قال: نعم، قال: أفكلهم أعطيت مثل ما أعطيته؟ قال: لا ،قال : فليس يصلح هذا وإني لا أشهد إلا على حق. ( )
هذه بعض الوصايا الربانية وغيرها كثير كفيلة بأن تخرج لنا المسلم السوي الذي ينفع مجتمعه وأمته ويحسن عبادة ربه،وعليه فأي انحراف عن هذا المنهج القويم كفيل بأن يفسد شخصية الطفل كما ورد عن أبي هريرة  قال:قال رسول الله :ما من مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء، ثم يقول أبو هريرة * فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ۚ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ۚ ذَ‌ٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ* الروم: ٣٠.
فعلى كل مسلم عاقل أن يستنير في تربية أولاده بهدي الكتاب والسنة اللذين زخرا بوصايا وتوجيهات تكفل له ولأولاده الحياة الكريمة .
نصوص واردة في مسألة اللعب والترفيه عن الأبناء
لم يغفل الدين الإسلامي عن حاجة الطفل للعب والترويح خاصة في مراحله العمرية الأولى، وعليه فكما أوصى الوالدين بتعويده على الصلاة وربطه بالله  فقد أرشدهم إلى لعب وترويح يفرغ فيه الطفل طاقاته ويوجه شخصيته الوجهة الصحيحة،ما بين لعب يعود عليه بالنفع ولعب يحقق له حاجته من الترويح المباح من غير الإضرار به،ونهاهم في المقابل عن كل لهو يعود على أطفالهم بآثار سيئة في العاجل والآجل ،وقد ورد في القرآن الكريم و كتب السنة نصوص كثيرة توضح هذا التوازن ،وسأقوم بعون الله  بسرد لجملة مما وقفتُ عليه منه من غير التعرض لشروحها أو للتعليق عليها حيث خصصت المبحث القادم بذلك،فأقول وبالله أستعين:
1) * أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ * يوسف: ١٢
2) * قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ ۖ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ * يوسف: ١٧
3) عن عائشة رضي الله عنها قالت:كنت ألعب بالبنات على عهد رسول الله  قالت:فكُنَّ يأتيني صواحبي فكُنَّ إذا رأين رسول الله  ينقمعن( ) منه فكان  يسربهنَّ إليَّ يلعبن معي. ( )
4) عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت:دخل عليَّ  وأنا العبُ باللُعب فرفع السترَ وقال:ما هذا يا عائشة؟ فقلتُ:لُعَبٌ يا رسول الله ،قال:ما هذا الذي أرى بينهُنَّ؟ قلتُ:فرسٌ يا رسول الله،قال:فرس من رقاعٍ له جَناح؟ قالتُ:فقلتُ:ألم يكن لسليمان بن داود خيلٌ لها أجنحةٌ؟ فضَحِكَ رسول الله .( )
5) عن أنس بن مالك قال:كان النبي  يلاعب زينب بنت أم سلمة وهو يقول:يا زوينب يا زوينب مرارا. ( )
6) عن عائشة قالت:دخل عليَّ رسولُ الله وعندي جاريتان تغنيان بغناء بعاث( )
فاضطجع على الفراش وحول وجهه،ودخل أبو بكر فانتهرني وقال:مزمارة الشيطان( )عند النبي !فأقبلَ عليه رسول الله  فقال:دعهما،فلما غفل غمزتهما فخرجتا وكان يوم عيد يلعب السودان بالدرق( ) والحراب فإما سألت النبي  وإما قال:تشتهين تنظرين؟فقلت:نعم فأقامني وراءه خدي على خده وهو يقول:دونكم يا بني أرفدة( )،حتى إذا مللت قال:حسبك؟قلت:نعم قال:فاذهبي ( )
7) قالت عائشة:ولما قدم وفد الحبشة على رسول الله  قاموا يلعبون في المسجد فرأيت رسول الله  يسترنى بردائه. ( )
عن أنس بن مالك  قال إن كان النبي  ليخالطنا حتى يقول لأخ لي صغير:يا أبا عمير ما فعل النغير؟. ( )
9) عن عائشة قالت سابقني النبي  فسبقته فلبثنا حتى إذا أرهقني اللحم سابقني فسبقني فقال النبي  هذه بتلك. ( )
10) كتب عمر  إلى الشام"أن علموا أولادكم السباحة والرمي والفروسية". ( )
11) عن أبي موسى الأشعري قال:سمعتُ النبيَ  وذُكِرَ عنده النرد( ) فقال:عصى الله ورسوله عصى الله ورسوله من ضرب بكعابها( ) يلعب بها. ( )
12) عن عبد الله بن الحرث قال كان رسول الله  يصفُّ عبد الله وعبيد الله وكثيرا من بني العباس ثم يقول:من سبق إلىَّ فلهُ كذا وكذا قال:فيستبقون إليه فيقعون على ظهره وصدره فيقبلهم ويلزمهم. ( )
13) عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف قال:كتب عمر إلى أبي عبيدة :أن علموا غلمانكم العوم ومقاتلتكم الرمي. ( )
14) وقال مصعب بن سعــد : كان سعد بن أبي وقاص يقول: ( عليكم بالرمي فإنه خير لهوكم ) . ( )
15) عن هشام بن زيد قال:دخلتُ مع أنس على الحكم بن أيوب فرأى غلماناً أو فتيانا نصبوا دجاجة يرمونها فقال أنس  :نهى النبي  أن تصبر( ) البهائم. ( )
16) عن مجاهد قال:الميسر القمار كله حتى الجوز( )الذي يلعب به الصبيان( )

هذه جملة من النصوص التي تناولت موقف النبي  وصحابته الكرام  والتابعين لهم بإحسان والتي ترسم لنا حدود اللهو واللعب الذي ينبغي لكل مسلم أن يحرص على البقاء في إطارها ،وسوف أتناول في المبحث القادم بإذن الله  الضوابط المستنبطة من النصوص السابقة والله المستعان.